حدثنا القاسم ، قال: ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله. حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ( فوكزه موسى) نبي الله ، ولم يتعمد قتله. حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال: قتله وهو لا يريد قتله. وقوله: ( فقضى عليه) يقول: ففرغ من قتله. وقد بينت فيما مضى أن معنى القضاء: الفراغ بما أغنى عن إعادته ههنا. [ ص: 541] ذكر أنه قتله ثم دفنه في الرمل. كما حدثنا القاسم ، قال: ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، عن أصحابه ( فوكزه موسى فقضى عليه) ثم دفنه في الرمل. وقوله: ( قال هذا من عمل الشيطان) يقول تعالى ذكره: قال موسى حين قتل القتيل: هذا القتل من تسبب الشيطان لي بأن هيج غضبي حتى ضربت هذا فهلك من ضربتي ، ( إنه عدو) يقول: إن الشيطان عدو لابن آدم ( مضل) له عن سبيل الرشاد بتزيينه له القبيح من الأعمال ، وتحسينه ذلك له ( مبين) يعني أنه يبين عداوته لهم قديما ، وإضلاله إياهم.
وهكذا أراد أن يعبّر عن شكره لله على ذلك كله بطريقةٍ عملية، فإذا كان الله قد أنعم عليه بالقوة، فلن يجعل القوّة في نصرة المجرمين الذين أجرموا في حق الله وحق عباده بالكفر والضلال والطغيان، وإذا كان قد أنعم عليه بالعلم فليجعله في خدمة المستضعفين لا في خدمة المستكبرين. فتوجه إلى الله بأنه يعاهده بأن لا يكون ظهيراً للمجرمين بسبب ما أنعم الله عليه من كل نعمه الظاهرة والباطنة، وبذلك كان الإيحاء الروحي للنعمة أنها تمثل مسؤولية العبد أمام الله بأن يقابله بالشكر المتحرك في خط توجيه النعمة في طاعته، لا في معصيته، على الخط الذي عبر عنه الإمام علي(ع) بقوله: «أقلّ ما يلزمكم لله أن لا تستعينوا بنعمه على معاصيه»[2]. وكان لهذا الحدث تأثيرٌ مباشرٌ على نفسية موسى(ع) في حركته الأمنية في المجتمع، حذراً من الأجواء العدوانية الفرعونية ضدّه. {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ} الشرّ من خلال ثأر قوم القبطي لقتيلهم، وهنا كانت المفاجأة التي تنتظره لخوض تجربة جديدةٍ مماثلة للتجربة الماضية، {فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالاَْمْسِ} من قومه {يَسْتَصْرِخُهُ} لينتصر له في معركةٍ جديدةٍ مع شخصٍ آخر من الأقباط، في نداء استغاثةٍ مؤثّر... ولم يستجب موسى له، فقد استوعب التجربة السابقة، واحتوى نتائجها في فكره وشعوره، فقد لا يكون المستغيث دائماً مظلوماً، بل قد يكون صاحب مشاكل يتحرك في عملية الإثارة للنزاع والخلاف على أساس حدّة طبعه، أو رغبته في العدوان، فكيف يمكن له أن يستجيب له؟!
حدثنا موسى ، قال: ثنا عمرو ، قال: ثنا أسباط ، عن السدي ( فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه) يقول: من القبط ( فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه).
ستدار موسى عائدا ومضى وهو يستغفر ربه. وأدرك المصري الذي كان يتشاجر مع الإسرائيلي أن موسى هو قاتل المصري الذي عثروا على جثته بالأمس. ولم يكن أحد من المصريين يعلم من القاتل. فنشر هذا المصري الخبر في أرجاء المدينة. أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم ا لخطبة الثانية (نبي الله موسى) انكشف سر موسى وظهر أمره. وجاء رجل مصري مؤمن من أقصى المدينة مسرعا. ونصح موسى بالخروج من مصر، لأن المصريين ينوون قلته.
وجاء في تفسير الميزان: «ذكر جلّ المفسرين أن ضمير "قَالَ" للإِسرائيلي الذي كان يستصرخه، وذلك أنه ظن أن موسى إنما يريد أن يبطش به لما سمعه يعاتبه قبل بقوله: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ} فهاله ما رأى من إرادته البطش فقال: {قَالَ يا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالاَْمْسِ} الخ، فعلم القبطي عند ذلك أن موسى هو الذي قتل القبطي بالأمس، فرجع إلى فرعون وأخبره الخبر، فائتمروا بموسى وعزموا على قتله. ويعقب صاحب الميزان على ذلك بقوله: «وما ذكروه في محله لشهادة السياق، بذلك فلا يعبأ بما قيل: إن القائل هو القبطي دون الإسرائيلي»[3]. وقد نلاحظ على ذلك أن السياق لا دلالة له على هذا التفسير، لأن ائتمار القوم به في ما أخبره به بعض الناس، لا يدلّ على ظهور أمر القتل من خلال القضية الثانية، بل قد يكون على أساس القضية الأولى التي ذاعت وشاعت بين الناس، وبعثت الخوف في نفس موسى، ولعل الذي يقتضيه الظهور هو أن يكون الكلام للقبطي عندما أراد موسى أن يبطش به، فكان كلامه لوناً من ألوان المحاولة بدفع موسى عنه بذلك بعد أن خاف أن يقتله، ولكن الوجه الذي ذكره محتمل، فقد ورد في بعض أحاديث الإمام الرضا(ع) المروية عنه في حديثه مع المأمون ما يؤكد ذلك.. في ما جاء في كتاب «عيون أخبار الرضا»، والله العالم.
اذا لم تجد ما تبحث عنه يمكنك استخدام كلمات أكثر دقة.